تم النشر بتاريخ: 9/07/2020
كتب أدهم جابر في ” موقع أولا الاقتصاد والاعمال”, مع اشتداد الأزمة الاقتصادية في لبنان، والتي ازدادت تعقيداً بفعل تفشي فيروس كورونا، برزت إلى الواجهة مشكلات متنوعة بين شركات التأمين والمؤمّنين أبرزها تلك الناجمة عن خلافات حوادث السير.
وإذا كانت الشركات قد استندت إلى مسؤوليتها الاجتماعية في خصوص مواجهة وباء كورونا صحياً، كما التزمت في غالبيتها بموجبات التأمين على الحياة، وبالتالي لم تقع مشكلات ذات أهمية بينها وبين المؤمنين على هذين الصعيدين، إلا أن بعضها، بحسب روايات متضررين وخبراء سير، خرج عن الأصول القانونية لجهة تعامله مع حوادث السير على وجه التحديد.. الأمر الذي ولّد خلافات لم تجد طريقاً إلى الحل من دون أن تمرّ بلجنة الرقابة على هيئات الضمان، في وزارة الاقتصاد والتجارة، خصوصاً أن معظم المشكلات كانت تنتج عن الخلاف حول تحديد نسب المسؤولية، وبالتالي تحديد حجم البدل المادي الذي يتعين على شركات التأمين أن تدفعه إلى الطرف المتضرر..
هروب من المسؤولية
يروي أحد خبراء السير، من الذين يتابعون الملفات المعقدة والمتشابكة، التي تنشأ ما بين المؤمنين والشركات، إلى "اوّلاً- الاقتصاد والاعمال" بأن ثلاثاً من شركات التأمين اللبنانية حاولت التهرب من المسؤولية في خصوص عدد من حوادث السير التي كان يقوم بمتابعتها وذلك بخلاف القانون، فالخبير هو محلف من قبل القضاء اللبناني، وبالتالي لتقريره أولوية الفصل في أي خلاف لجهة تحديد المسؤوليات في الحوادث، على أن يقتصر عمله على الجانب المادي، ذلك أن الحوادث التي تقع فيها أضرار جسدية تصبح من مسؤولية جهات أخرى ويتم فيها اللجوء إلى القضاء للفصل فيها، والذي غالباً ما يبني حكمه فيها بالاعتماد على تقرير الخبير. ويشير الخبير نفسه إلى أنه في الحوادث المذكورة، فإن الخبراء حددوا نسب المسؤولية بين الأطراف، غير إن شركات التأمين لم تلتزم بالتقارير الموضوعة واعتمدت على أقسام الحوادث لديها لتحديد المسؤوليات، وهذا يخالف القانون، إذ لا يمكن للقسم المذكور أن يلعب دور الحكم وهو الخصم في الوقت نفسه. وهكذا ضربت الشركات الثلاث تقارير الخبراء عرض الحائط وقامت بتحديد قيمة للبدل المادي رفضها الأطراف المعنيون باعتبارها أقل من حقهم، فلجأوا إلى لجنة الرقابة على هيئات الضمان للبت في الخلافات القائمة بينهم وبين هذه الشركات في انتظار الحكم العادل من قبلها.
رئيسة لجنة الرقابة على هيئات الضمان بالإنابة نادين حبال: مفاوضات مع مصرف لبنان للسماح للشركات بشراء الدولار
وإذا كانت رواية الخبير تستند إلى واقع ما يجري ونص التقارير الموضوعة من قبل الخبراء (المحلفين) واستناداً إلى صور الحوادث ونص عقد التأمين الموقع بين المؤمن والشركة، فإن للجنة الرقابة على هيئات الضمان طريقة عمل لا تخرج عن الإطار القانوني بأي شكل من الأشكال، فاللجنة بحسب رئيستها بالإنابة نادين حبال تعمل بكل طاقتها من أجل إحقاق الحق وإنصاف الطرفين من دون أن تغلّب فئة على أخرى، وهي تمارس دورها الرقابي على أكمل وجه بمقتضى قانون تأسيسها والقوانين المرعية الإجراء، وبالتالي فإن أي شكوى يتم تقديمها إلى اللجنة يتم التعامل معها بكل جدية وبحث تفاصيلها ومراجعة العقد الموقع بين الشركة والمؤمن (باعتباره شريعة المتعاقدين) بحيث لا يكون تقرير خبير السير وحده هو الأساس الذي يتم البناء عليه في الحكم النهائي بل باعتباره وسيلة تتجانس مع عقد التأمين، ولهذه الأسباب، فإن حكم اللجنة لن يكون بشكل أو بآخر لمصلحة طرف على حساب طرف آخر، فالحقوق يجب أن تعود لأصحابها. لكن ماذا عن الحالات المتشابكة والمعقدة؟ تؤكد حبّال أنه في بعض الحالات، فإن اللجنة لا تكتفي بتقرير الخبير ولا بتقارير شركة التأمين المعنية، فتقوم بتكليف خبير ثالث للبحث في ظروف وتفاصيل الحادث محل الشكوى ثم تبني حكمها على أساس ما توصلت إليه.
لا "هدايا" لأعضاء اللجنة والموظف المخل مصيره الفصل
وفي ما يؤكد خبراء سير إلى "أوّلاً- الاقتصاد والأعمال" أن بعض أعضاء اللجنة يقومون بتبني ما تريده شركات التأمين مقابل "هدايا"، تنفي حبال بشدة ما يتم الترويج له، مشددة على أن أي فرد في اللجنة يقوم بمثل ما يُشاع فإنه يكون بمثابة من يطلق النار على نفسه وبذلك يخالف عقد توظيفه، وهذا الأمر يعرّضه للفصل من عمله فوراً "لذلك لا أعتقد أن كلام الخبراء صحيحٌ، فليأتوا ببراهينهم وسنقوم باتخاذ الإجراءات القانونية والإدارية بحق المخلين، إن وجدوا"، وتشير حبال إلى أن المهمة الرئيسية للجنة تقتضي حماية حقوق المؤمنين، وحماية سمعة قطاع التأمين وحقوق المساهمين فيه بالتزامن، وهذا ما يفرض متابعة حثيثة للممارسات اليومية للشركات، واتخاذ الإجراءات اللازمة بحق المخالفين. وفي ختام هذا الشق المتعلق بتأمين السيارات تدعو حبّال كل من لديه استفسارات من أي نوع إلى الاتصال باللجنة لبحثها، مشددة على أن الحكم سيكون فيها بمقتضى القانون وحده، مضيفة أن اللجنة قامت بحل خلافات كثيرة وهي مستمرة في عملها من أجل تحقيق العدالة لمختلف الأطراف.
دفعت أزمة ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية شركات التأمين إلى الوقوع في مشكلات مالية مختلفة، لكنها مشكلات لا يجب إدراجها في الخانة ذاتها بالنسبة إلى حبال، فلكل نوع من التأمين (الحياة، الصحة، السيارات) ظروف مختلفة لا يمكن التعامل معها على أنها واحدة، فالتأمين علم ولا بدّ من اعتماد الأساليب العلمية لتحديد آلياته. ومن الأمثلة، أن المؤمنين على الحياة على سبيل المثال، يدفعون قيمة البوليصة بالدولار، وبالتالي فمن حقهم أن يتقاضوا تعويضاً بالدولار وليس بالعملة الوطنية، كما إنه من المهم للغاية التنويه بأن كلفة التأمين ليست بالدولار فقط وبشكل كامل، وبالتالي فإنه لا يمكن لهذه الشركات أن ترفع قيمة التأمين بحسب سعر الصرف لأن هذا الأمر يحتاج إلى دراسة علمية، خصوصاً أنه في الجانب الصحي على سبيل المثال، تستفيد الأدوية والمعدات الطبية من الدعم من قبل مصرف لبنان، فهل يمكن أو يجوز رفع قيمة بوالص التأمين؟ أمّا في حالة العمّال الأجانب، فإن الأمور غير ذلك فالتأمين بالليرة اللبنانية، ويجب على الشركة الالتزام بقبض الأقساط بالعملة ذاتها، وهذا ما يوضح ربما أن التأمين الصحي لم يثر مشكلات حتى في خضم جائحة كورونا إذ التزمت الشركات بتغطية المؤمنين. فعلى سبيل المثال، قامت شركات التأمين بتغطية ما يزيد على مئة وحالتين من حالات كورونا، حيث فاقت قيمة التغطية 200 مليون ليرة، أما وضع تأمين السيارات فقد أتى مغايراً. لماذا؟
تسعيرة "مبتكرة" للشركات ولجنة الرقابة لم تتبلغ رسمياً
تؤكد حبال أنه بالنسبة إلى الأضرار الجسدية، فإن العملة المتبعة تكون الليرة اللبنانية، لكن الخلاف يقع في حال الأضرار المادية خصوصاً أن قطع الغيار يتم شراؤها بالدولار وبحسب سعر الصرف في السوق السوداء، لذلك طلبنا من الشركات تقديم دراسات حول المصاريف الثابتة وبعض التفاصيل الأخرى، موضحة من جانب آخر، أن شركات التأمين بذلت خلال أزمة كورونا جهوداً جباراً وذلك انطلاقاً من فكرة أن هناك ما يعرف بـ "أخلاقيات التأمين" إذ ليس التأمين مجرد عقد.
وفي ما تخلص حبال إلى الإشارة لتواصل قائم مع حاكم مصرف لبنان من أجل دعم شركات التأمين والسماح لهم بشراء الدولار أسوة ببعض القطاعات الأخرى، إلا أن بعض شركات التأمين اتخذ أخيراً توجهاً مخالفاً، إذ لجأ إلى اعتماد تسعيرة "مبتكرة" لبوالص التأمين الشامل وضد الغير (المادي) تحديداً، يمكن عنونتها بأنها "الدفع بالمثل"، وبتفسير أوضح، إذا دفع المؤمن ثمن البوليصة بالدولار فإنه يحصل على خدمة بالدولار، وإذا دفع ثمن البوليصة بالليرة اللبنانية على السعر الرسمي 1520 ليرة فإنه يحصل على خدمة وفقاً لهذا السعر ويتحمل الفارق المالي، وكذلك الأمر بالنسبة إلى سعر الصرافين أي 3850 ليرة.. وهنا تؤكد مصادر اللجنة أن الشركات لم تنسق معها في خصوص هذه التسعيرة كما إنها لم تتبلغ منها أي قرار رسمي في هذا الخصوص.
رئيس جمعية شركات الضمان إيلي طربيه: مع الحق لكن الشركات هي التي تحدد المسؤوليات
ويلتقي رئيس جمعية شركات الضمان إيلي طربيه مع ما قالته رئيسة لجنة الرقابة على هيئات الضمان بالإنابة لجهة أن الأصل في بت الخلافات بين المؤمنين والشركات لا يستند إلى تقارير خبراء السير بل إنه تقرير يمكن الاستئناس به غير إن تحديد نسب التعويضات تعود إلى شركة التأمين، مشيراً إلى أنه في حال الخلاف بين الأطراف يمكن اللجوء إلى لجنة الرقابة للبت بالحادث وإذا كان هناك تقرير لخبير فإنه يمكن الاستعانة بخبير الشركة وإذا تعارض التقريران تتم الاستعانة بخبير ثالث من أجل الوصول إلى النتيجة المرضية للأطراف كافة، ويشدد طربيه على أن النقابة ترفض أي أمر إذا لم يتوافق مع التقارير أو العرف ويتوجب عليها الاعتراف الموقع بينها وبين المؤمن لأنه الأساس في الحكم في أي خلاف. وبالنسبة إلى الخلافات يؤكد طربيه أن أي شركة لا تحدد نسب المسؤوليات من دون أن تبحث كل التفاصيل، ففي بعض الأحيان يعتقد المؤمن بأنه على حق، ويكتشف لاحقاً ان الحقيقة خلاف ما يظن.
وإذ يشدد النقيب طربيه على أنه لا اتفاق بين الشركات ولجنة الرقابة، يوضح أن اللجنة تمارس عملها انطلاقاً من الشعور بالمسؤولية تجاه الشركات لكنها في الوقت نفسه، تحافظ على حق المواطن.
وبين الخبراء المحلّفين من قبل القضاء الأعلى ما يكسب تقاريرهم الشرعية الكاملة، ولجنة الرقابة التي تعمل بموجب القانون، ونقابة شركات التأمين التي تشدد على دعم الشركات ومساندتها وفي الوقت نفسه منح المواطن حقه، تستمر الخلافات بين شركات التأمين والمؤمنين خصوصاً في حوادث السير وعلى الأمور المالية تحديداً فهل ستجد هذه المعضلة طريقها إلى الحل؟
المصدر: أولاً- الاقتصاد والأعمال
الوسوم: ACAL, أقساط التأمين, التأمين الإلزامي, التأمين على السيارات, شركات التأمين, لبنان