تم النشر بتاريخ: 10/08/2020
كتبت عزه الحاج حسن: ليس الإنفجار الواقع في مرفأ بيروت في 4 آب الحدث الأمني الأول في لبنان. لكنه الأول من ناحية حجم الأضرار البشرية والمادية التي خلّفها. والأول من ناحية نوع الإنفجار وظروفه. فلم يعد خافياً أن إهمال الدولة وأجهزتها ومسؤوليها يُشكّل أحد أبرز مسببات الانفجار الذي أودى بحياة أكثر من 155 شخصاً ونحو 5000 جريح وعشرات المفقودين حتى اللحظة. وأوقع أضراراً مادية تقدر بمليارات الدولارات. وقد يكون انفجار مرفأ بيروت الأول على مستوى العالم الذي تُقدِم فيه دولة ما على تفجير أبرز مرافقها وعاصمتها وشعبها نتيجة إهمالها وفسادها.
ويبقى السؤال من سيعوّض على الأفراد والمؤسسات خسائرها؟ شركات التأمين؟ وهل لدى شركات التأمين اللبنانية القدرة على تغطية أضرار بمليارات الدولارات؟ لاسيما أن رساميلها لا تتجاوز 3 مليون دولار للشركات اللبنانية و6 مليون دولار للأجنبية.
تقصيرالسلطة مهّد للانفجار
ليس مستغرباً ولا جديداً على شركات التأمين أن تلتف على عقود التأمين، للتهرّب من مسؤولياتها بالتعويض على متضرري الحوادث أو الانفجارات أو مختلف الأضرار. والأمثلة على ذلك كثيرة، لكن بأي حق يتحمّل الأفراد والمؤسسات أو شركات التأمين تكلفة أضرار ناجمة عن انفجار مهّد له فساد الدولة وإهمالها بواجباتها؟ وبصرف النظر عما سينتهي إليه التحقيق الجنائي، لجهة مسببات انفجار مرفأ بيروت، فإن تقصير السلطة يبقى الأرضية الخصبة التي هيأت لوقوع هكذا جريمة، سواء ثبت أنها مفتعلة أم غير مفتعلة.
وفي حين يتوقع محلّلون أن تصل قيمة الأضرار الناجمة عن انفجار مرفأ بيروت إلى 15 مليار دولار، رجّح البعض ألا تقل قيمة الأضرار المؤمّن عليها عن 3 مليارات دولار. وهو مبلغ يفوق كثيراً قدرات شركات التأمين اللبنانية، حسب خبير تأمين في حديث إلى "المدن"، خصوصاً تلك التي فقدت خلال الأشهر الفائتة معيدي التأمين المتعاملة معهم، بسبب عجزها عن تحويل الدولارات إلى حساباتها في الخارج. وذلك، امتداداً للأزمة المصرفية في لبنان والقيود التي فرضتها المصارف على التحويلات وحركة الأموال. ولكن بعيداً عن البحث في قدرة شركات التأمين على تحمل أعباء الأضرار التي خلّفها الانفجار، ماذا عن حجم المسؤوليات؟
بانتظار التقرير النهائي
تنتظر جمعية شركات الضمان (التأمين) ACAL انتهاء التحقيقات الرسميّة، وصدور التقرير النهائي من الجهات المعنيّة في الدولة، وتحديد طبيعة الانفجار ومسبّباته، ليُتخذ القرار في مسألة التعويضات على المؤمَّنين. ووفق حديث رئيس الجمعية إيلي طربيه لـ"المدن"، فإن الشركات لن تتهرّب من مسؤولياتها، إنما تنتظر صدور تقرير رسمي يحدد المسؤوليات، وما إذا كان الانفجار ناجم عن عمل عسكري أو إرهابي أو إهمال. وبناء عليه، علينا كشركات أن نتقدم إلى معيدي التأمين بتقارير رسمية توضح كافة جوانب الانفجار: "عموماً سبق للدولة أن تحمّلت التعويض عن أضرار في حالات مشابهة. خصوصاً ان الانفجار ناجم بشكل أو بآخر عن إهمال الدول. كما وأنه حصل في المرفأ. أي في مرفق عام. بمعنى أن شركات التأمين وإن عوّضت عن الأضرار الناجمة عن الانفجار فإن من حقها وفق القوانين المرعية أن تعود وترفع دعوى قضائية على مسبّب الضرر، أي على المرفأ، أي الدولة، للمطالبة بما ستتكبد من تعويضات على المؤمنين"، يقول طربيه.
وفي حين لا يستبعد طربيه لجوء شركات إعادة التأمين الأجنبية إلى رفع دعاوى على الدولة اللبنانية، لاستعادة ما يمكن أن تتكبّده من تعويضات على المؤمّنين، في حال ثبت أن الإهمال أو التقصير أحد مسبّبات الانفجار، يؤكد ان شركات التأمين في لبنان مُلزمة بتطبيق العقود مع المؤمنين، والأخذ بالاستثناءات الواردة فيها. لكن بعد صدور التقرير النهائي عن الدولة، بهدف تحديد المسؤوليات وتوحيد موقف الشركات كافة.
فوضى وتضارب مصالح
وإلى حين صدور التقرير النهائي، وتحديد طبيعة الانفجار والمسؤوليات والأسباب التي أدت إليه، تسود الفوضى في ملف مسح الأضرار وتحديد مصدر التعويضات وآلياتها. ووفق مصدر في لجنة الرقابة على شركات الضمان (التأمين)، فإن الشركات تنتظر التقرير النهائي للدولة وتصنيف الانفجار كحادث مقصود أو قضاء وقدر أو عدوان وغير ذلك. في المقابل، الهيئة العليا للإغاثة بدأت بإحصاء الأضرار، وسط حديث عن تعويضات. وبين هذا وذاك يقع المواطنون المتضررون رهينة أضرار لا طاقة لهم على تعويضها، ولا مفر أمامهم سوى الإنتظار ريثما تتضح الصورة.
محامي إحدى شركات التأمين يميّز في حديثه إلى "المدن"، بين عقود التأمين لجهة تغطية الأضرار الناجمة عن الانفجارات بداية، لجهة طبيعة الانفجار، ثم لجهة طبيعة العقد، وما إذا كان المتضرر سيارة أو منزل او مكتب أو غير ذلك. ويوضح أن غالبية عقود التأمين للسيارات تستثني تغطية الأضرار الناجمة عن الانفجارات. في المقابل، فإن غالبيتها تشمل تغطية البيوت والمؤسسات، ولا تستثني منها أضرار الانفجارات.
خبير آخر يخالف ما أكده محامي التأمين، ويؤكد في حديث إلى "المدن" أن عقود التأمين تختلف بين عقود السيارات والشحن والحياة والبضائع وغيرها. وبحسب طبيعة الانفجار تتحدد مسؤوليات التأمين، وما إذا كان الضرر ناجم عن الإرهاب أو التظاهرات والشغب أو غير ذلك من الأعمال المقصودة الناجمة عن فعل فاعل. وبالنسبة إلى انفجار المرفأ، فإن كل ما هو ناجم عن خطأ بشري غير مقصود أو إهمال أو قضاء وقدر، فإن ذلك يشمله التأمين بصرف النظر عن الإختلاف بين تأمين العنبر أو البضائع. أما بالنسبة للشقق، ففي حال ثبت أن العمل غير عسكري أو حربي فإن التأمين ملزم بالتغطية. كذلك الأمر بالنسبة للتأمين على الحياة. فشركات التأمين ملزمة بالتغطية عن الوفاة أو العطل والضرر، مهما كانت الأسباب حتى وإن كان الضرر ناجم عن عمل حربي، شرط ان لا يكون المؤمن مشارك فيه.
ولا بد من التمييز وفق الخبير بين البضائع الآتية من الخارج من المصنع إلى المخزن أي door to door، فإنها مغطاة ببوليصة التأمين من الخارج، وبين البضائع الآتية من مرفأ إلى مرفأ بيروت، فإنها مشمولة بالتأمين المخصّص للعنبر الذي وقع فيه الضرر، لأن المرفأ ملزم بإبرام عقود تأمين.
الخلاصة، في حال ثبت أن الانفجار ناجم عن خطأ بشري أو احتكاك معين، فعلى شركات التأمين تغطية الأضرار. وفي حال عجزت الشركات عن التعويض فإن عليها الإدعاء على مسبب الضرر. ويبدو أن هناك توجهاً إلى التريث في اتخاذ القرار، بهدف درس موضوع الخروج من الأزمة بأقل خسائر ممكنة.
المصدر: المدن
الوسوم: ACAL, شركات التأمين, لبنان, لجنة الرقابة على هيئات الضمان, وزارة الاقتصاد