انفجار بيروت و”التأمين”: مَنْ سيعوّض على مَنْ؟

انفجار بيروت و”التأمين”: مَنْ سيعوّض على مَنْ؟

تم النشر بتاريخ: 16/08/2020

رئيسة لجنة الرقابة على هيئات الضمان بالإنابة نادين حبال: التأمين سيسدّد كامل المتوجبات وفق شروط العقود وجداول المنافع

كتب أدهم جابر: مع انفجار بيروت، تدخل شركات التأمين العاملة في لبنان إلى نفق جديد لأزمة لم تكن من ضمن حساباتها، خصوصاً أنها تعاني منذ أشهر من أزمات مختلفة، لا داعي لتكرار الخوض في تفاصيلها..

اليوم، تواجه هذه الشركات واقعاً جديداً، فانفجار بيروت ليس قضية عابرة يمكن تجاوزها بسهولة، المسألة هنا تطال أكثر من طرف متضرر وطبيعة تأمين ما يضعها أمام استحقاقات كبيرة، فإذا ما تعين عليها أن تقدم تعويضات إلى المتضررين، فإن ذلك سيكبّدها خسائر مالية جسيمة. فكيف لها ذلك في ظل الأزمة الراهنة التي يعيشها لبنان، وعلاقة بعض الشركات "غير السوية"، كما يقول مطلعون على القطاع، مع معيدي التأمين في الخارج؟

رئيسة لجنة الرقابة على هيئات الضمان بالإنابة نادين حبال: حجم كبير من الأضرار قد يقع على عاتق المواطنين ولا بدّ من مصادر تمويل رديفة

لجنة مراقبة هيئات الضمان

ولفهم كيفية تعامل الشركات مع هذا الملف، فإن الانطلاقة تكون من خلال العلاقة القانونية بين الضامن والمضمون، وفي هذه الحال، هو العقد الذي يحدد حقوق وواجبات كل طرف من الطرفين. ويؤكد أحد خبراء التأمين وحوادث السير، والذي تمّ الاتصال به من قبل بعض المؤمنين لمعاينة أضرار سياراتهم في محيط الانفجار، في حديث إلى "اوّلاً- الاقتصاد والأعمال" أن هناك شروطاً عامة موضوعة في عقود التأمين على اختلافها، وهي تتضمن استثناءات لبعض الحالات (يمكن العودة إلى تلك العقود)، ويضيف ربما ذلك ما يفسر تريث شركات التأمين في التعامل مع الأضرار حتى الآن، وذلك إلى حين معرفة النتيجة النهائية للتحقيقات الجارية والتي ستحدد طبيعة الانفجار، وبالتالي الآلية التي ستتعامل الشركات بموجبها مع المؤمنين المتضررين.

بوالص مختلفة ومسؤوليات متشعبة
 ولمزيد من التوضيح حول الملف، يؤكد المدير العام لشركة تراست كومباس جورج أيوب في حديث إلى "أوّلاً- الاقتصاد والأعمال" أن هناك أنواعاً عدة من بوالص التأمين في خصوص المرفأ، وهي تتعلق بممتلكاته الخاصة والموظفين وما يضمه من معدات وآليات، وكذلك بالنسبة إلى الأفراد الذين لديهم بضائع كانت موجودة في داخله لحظة الانفجار، بالإضافة إلى مسؤولية المرفأ تجاه الغير ويقصد هنا المناطق المحيطة به، مشيراً إلى أن الأصول تقتضي أن يكون المرفأ يتمتع بتغطية تأمينية شاملة تتضمن "بوليصة الحرب والمتفجرات"، وإذ يوضح أيوب أن أي إجراء في خصوص الخطوات التي يمكن للشركات اتباعها يبقى رهن صدور نتائج التحقيقات، يؤكد أن الشركات بدأت بالمتابعة في اتجاهين، الأول من خلال الوقوف على حاجة العملاء عبر منحهم الضوء الأخضر لإجراء الإصلاحات لممتلكاتهم في حال كانت طفيفة على أن يحتفظوا بالفواتير وتقوم الشركات بتسجيلها تحت بند "حادث"، والثاني المتابعة من خلال جمعية شركات التأمين التي تعقد لقاءات واجتماعات مع خبراء دوليين ومحليين لتقييم الأضرار واتخاذ الخطوات اللازمة ووضع آلية خاصة للتعامل مع تداعيات الانفجار.

هل يمكن للشركات تحمّل التبعات؟
وبغض النظر، هل يمكن للشركات تحمل التبعات؟ يشير أيوب إلى أن الأولوية في المرحلة الحالية هي لإحصاء الأضرار، لكن ذلك لا يمنع تحمّل الشركات لمسؤولياتها بحسب القانون، وذلك بشرط أن يكون قد ثبت أن الحادث عرضياً وليس مدبراً ولم يكن مشمولاً بالاستثناءات. أمّا في حال كان عملاً عسكرياً فإن التغطية تتجه إلى "بوليصة الحرب" وتسقط بذلك كل بوالص الحريق والسرقة وسواها.. لكن كيف تصرفت الشركات وهل تملك القدرة المالية للقيام بواجباتها؟ يرد أيوب أن الشركات اللبنانية لم تقف فقط على التعويضات اللازمة بمؤازرة شركات إعادة التامين الخاصة بها، بل بدأ البعض منها بالنزول إلى الشارع المنكوب وإعانة المؤسسات والهيئات المدنية وإمدادها بالدعم المالي والمعنوي، مضيفاً أن شركات التأمين المحلية ستفي بالتزاماتها كافة لأنها مليئة ومحمية بعقود إعادة تأمين مع أكبر شركات إعادة التأمين العالمية. وعن قدرة بعض الشركات على تحمّل عبء المطالبات يجيب أيوب ان غالبية الشركات اللبنانية مليئة لكن حتى لو تبين في ما بعد انتكاس شركة او أكثر فالاحتياط التقني المودع من قبل شركات التأمين لدى وزارة الاقتصاد والتجارة كفيل بتعويضات المطالبين.

ويستطرد أيوب: اليوم نحن نتحدث عن خسائر تقدر بما يتراوح ما بين 20 إلى 30 مليار دولار، إذ إن خسائر المرفأ وحده قد تقدر بـ 3 مليارات دولار، وهذه تقديرات لا نهائية لأن الشركات لا تزال تحصي الأضرار.

وبخلاف ما سلف، يضيف أيوب: هناك الكثير من الأسئلة التي تطرح اليوم وهي تتعلق بشكل أساسي بالتحقيقات، فما تريده شركات التأمين وشركات إعادة التأمين الخارجية هو تحقيق شفاف في أسباب الانفجار، فالشركات الأجنبية قد لا تعترف بالتحقيقات اللبنانية وعليه، فإننا قد ندخل في نفق من الدعاوى القضائية التي قد تأخذ وقتاً طويلاً وتنتهي إلى نتيجة سلبية.

مرصد لإحصاء الأضرار وتقصي الخسائر
ولجنة من اختصاصيين للمتابعة
 لا شك أن تعقيدات الملف فرضت تدخل لجنة الرقابة على هيئات الضمان، فهي جهة معنية أساسية في ما يجري، لذا كان طبيعياً أن تتحرك اللجنة لمواجهة التداعيات الناجمة عن الانفجار وانعكاساتها على المؤمنين والشركات الضامنة. وتقول رئيسة اللجنة بالإنابة نادين حبال في حديث إلى "اوّلاً- الاقتصاد والاعمال" إن البداية كانت من خلال مرصد أسبوعي لتقصي حجم الخسائر المؤمنة ومتابعة العمليات التأمينية ذات الصلة، مشيرة إلى أن عمله بدأ منذ يوم الجمعة (7 آب/أغسطس)، وأن اللجنة عكفت على دراسة الوضع التأميني وتنظيم عملية تجميع المعلومات وهي أساسية في هذا الظرف، وذلك على الرغم من الأضرار الفادحة التي حلّت بمكاتبها واستحالة تأمين دوام العمل بشكل منتظم، موضحة أنها (أي اللجنة) عمدت إلى الحصول على كامل المعلومات الخاصة بعقود تأمين وإعادة تأمين مرفأ بيروت وإهراءات القمح، وستقوم بتشكيل لجنة تتضمن محامين اختصاصيين بالتأمين، وخبراء أكتواريين وتقييم الأضرار لمتابعة تداعيات الانفجار على المؤمنين وقطاع التأمين. لكن إلى أين قد يؤدي كل ذلك؟ وماذا عن التزامات الشركات؟ تجيب حبال أن قطاع التأمين سيسدد كامل المتوجبات وفق شروط العقود وجداول المنافع، مشيرة في هذا السياق، إلى أن عدداً من معيدي التأمين بادر إلى التواصل مع اللجنة لتأكيد الدعم- طبعاً ضمن حدود اتفاقات إعادة التأمين- والمساهمة في وضع المنهجيات المعتمدة عالمياً لمسح الأضرار وتقييمها وتنظيم عمليات التسديد والتعويض، علماً أن هيئات الضمان العالمية لم تتخلف يوماً عن تنفيذ موجباتها وهي ملتزمة بتسديد المستحقات المترتبة عليها كاملة.

وفي ما يخلص أيوب إلى الاستنتاج بأن "القضية حتى الآن غامضة"، وبالتالي فإننا نتعامل مع كارثة وطنية كبيرة بحيث تفرض على الدولة أن تتعامل معها، وتؤكد حبال على ضخامة حجم المأساة من جراء انفجار بيروت، موضحة أنه نظراً إلى أن تأمين الأشخاص والممتلكات والمركبات ليس إلزامياً، فقد يتبقى، بعد تسديد المتطلبات التأمينية المشروعة، حجم كبير من الأضرار الذي ستقع تبعاته على عاتق المواطنين، ما يفرض ضرورة تنظيم وتنفيذ مصادر تمويل رديفة. فإن السؤال الذي يبقى، في ظل الأوضاع الصعبة التي تعيشها شركات التأمين المحلية في الوقت الراهن، هو: مَن سيعوّض على مَن؟

المصدر: اولا- الاقتصاد والاعمال

الوسوم: , , , , , ,

Posted in .