تم النشر بتاريخ: 4/06/2021
من قطاعٍ إلى آخر، تنتقل عدوى الأزمة الاقتصادية المالية التي ضربت البلاد. أخيراً، علت الصرخة، مدوّية، من قطاع التأمين، بعدما بدأت الهجرة تكبر فيه. ففي آخر الأرقام التي يتداولها بعض العاملين الأساسيين في القطاع، وصلت الأمور إلى حافة الـ«الله يساعدنا»، على ما يقول روجيه زكّار، المدير العام المساعد في شركة التأمينات التجارية، إذ بلغت نسبة شركات التأمين العالمية التي خرجت من السوق اللبناني حتى اللحظة 80%. أما ما بقي، فلا يبدو أنه طويل الإقامة، في ظل انحدار الأزمة نحو الأسوأ.
خلّف هذا الرحيل فراغاً في القطاع، فلجأ معظم العاملين فيه إلى «الركّ» على الشركات المحلية، وقد أحدث هذا الأمر ضياعاً في كيفية تسيير الأعمال خصوصاً أن غالبية هذه الشركات مرتبطة خارجياً وتعاني من صعوبة تسيير أمورها هي الأخرى.
ما يحدث، اليوم، في القطاع ليس وليد اللحظة الراهنة، وإنما تعود أولى بوادره إلى تشرين الثاني 2019. كان هذا التاريخ مفصلاً كرّت من بعده سبحة الأزمات. في هذا السياق، يشير زكّار إلى «سلسلة أزمات أدّت إلى خروج معيدي التأمين»، محدداً تاريخين أساسيين، أولهما أحداث 17 تشرين الثاني 2019، وثانيهما انفجار الرابع من آب الذي خلّف «أربع عقبات أساسية، منها أولاً ما يتعلق بسعر الصرف، فعلى أي سعر صرفٍ بدي أصرف لمعيدي التأمين، وعلى أي سعر صرف بدّك تأمني البوالص؟». سبب هذين السؤالين هو «الخلاف» بين عملة شركات التأمين الرسمية، وهي الدولار الأميركي، أي الدولار «الفريش»، فيما العملة السائدة في المعاملات المصرفية هي «اللولار». بسبب هذا الفارق بين «الفريش» و«اللولار»، صارت الانسحابات من السوق، أضف إلى ذلك عدم قدرة وكلاء التأمين، كما شركات التأمين المحلية، على تحويل الأموال إلى الشركات في الخارج، بسبب إجراءات المصارف المتشدّدة.
نسبة التأمين على المركبات الآلية بلغت هذا العام 3% مما كانت عليه في الفترة نفسها من عام 2019
ما يحدث اليوم في الشركات بات «ع القطعة»، يقول أحد وكلاء التأمين المحليين، انطلاقاً من أن ما يقومون به في ظل الأزمة هو «أننا نبيع ما تعطينا إياه الشركة، فإن كان الطلب بتقاضي بدل البوليصة بالدولار الفريش فنحن ملزمون بذلك وكذلك الحال بالنسبة إلى اللولار». أما تبعات هذا الأمر، فهو عدا انسحاب الشركات العالمية، قصور التأمينات على «قطاعات» محددة، بعدما صارت بعض الأنواع مكلفة، وأقرب إلى الكماليات، كما انسحاب الكثير من أصحاب بوالص التأمين، إما بسبب احتجاز المصارف لأموالهم، أو بسبب تراجع مستوى معيشتهم. وفي هذا السياق، يشير أحد وكلاء التأمين المحليين إلى أن «البوالص التي لا تزال موجودة إلى الآن هي بوالص التأمين على الصحة التي تُسعّر لدى معظم الشركات على أساس الـ3900 ليرة، وهي توازي قيمة الفواتير الاستشفائية التي باتت تعتمدها المستشفيات، وبوالص التأمين على الآليات والمركبات، وإن باتت الأخيرة لا تُذكر». ويشير زكار هنا، على سبيل المثال، إلى أن نسبة التأمين على المركبات الآلية بلغت ـ بحسب التقديرات ـ خلال الأشهر الأولى من العام الجاري 3% مما كانت عليه في الفترة نفسها من عام 2019، أما بوالص تأمين الحرائق والسرقات على الممتلكات، والتي كانت تشكّل جزءاً أساسياً من عمل شركات التأمين، فقد باتت اليوم بالنسبة إلى كثر أقرب إلى الترف، وهي تقتصر «على المغتربين اللبنانيين الذين يملكون بيوتاً في لبنان. هؤلاء فقط الذين يدفعون اليوم دولار فريش».
أما الانسحاب الآخر من السوق، فهو ما يتعلق بأصحاب البوالص الذين وجدوا أنفسهم خارج هذا الترف، خصوصاً أن بعض الشركات لا تقبل الدفع بغير العملة الرسمية، وهي تلك التي لا توجد اليوم بسبب الانهيار الاقتصادي أولاً وتعسف المصارف تالياً. وبقدر ما يبدو خروج الشركات العالمية من السوق المحلية ضربة محكمة للقطاع، وهو ما أشار إليه رئيس جمعية شركات التأمين في لبنان المنتخب حديثاً، إيلي نسناس، إلا أن الضربة الأخرى هي نزول معظم أصحاب البوالص حتى خط الفقر، وعدم قدرتهم تالياً على شراء بوالص التأمين - على الأقل الصحية منها - خصوصاً في ظل توجه بعض شركات التأمين نحو رفع أسعار البوالص وتقاضيها جزءاً منها بالدولار النقدي. وهذا ما يترك الناس رهينة الشركات والمستشفيات التي تتحكّم اليوم هي الأخرى بصحة الناس. والمؤسف أن كل ذلك يأتي في ظل إفلاس الدولة وعدم قدرتها على تأمين مواطنيها.
المصدر: الأخبار
الوسوم: أقساط التأمين, اعادة التأمين, تأمين الممتلكات, جمعية شركات الضمان في لبنان, شركات التأمين, وسطاء التأمين